قلعة صيدا البحرية

قلعة صيدا البحرية هي من أشهر القلاع في لبنان والأكثر تميّزاً، وهي من أهم المعالم الأثرية في مدينة صيدا. قد بنيت هذه القلعة فوق صخرة في البحر على مسافة ثمانين متراً من الشاطئ،  فأصبحت وكأنها جزيرة صغيرة عائمة في البحر. الهدف الأساسي من بنائها هو تأمين الحماية للمدافعين الأوروبيين ضد العمليات العسكرية البحرية، وفي نفس الوقت لتكون جسراً للاتصال بالعالم الغربي الذي كان يمدّهم بالدعم. تاريخ بناء هذه القلعة يعود إلى العام 1228، على يد الحملة الصليبية السادسة التي دخلت إلى لبنان. عند سقوطها في يد المماليك قاموا بتعديل بعض خصائصها باستخدام حجارة وعناصر بنائية سبقت العصر الصليبي. استُخدمت في بناء القلعة الحجارة الضخمة المنحوتة والأعمدة الغرانيتية. تدخل الى قلعة صيدا الواقعة داخل البحر من خلال ممر أو جسر حجري ضخم، ينتهي هذا الجسر عند القلعة ويفصله عنها باب خشبي متحرّك، عند رفعه تُعزل القلعة عن البرّ، وتمنع وصول المهاجمين إليها. لم يبقَ من أثار هذا الجسر سوى الدعامة الشمالية المدبّبة، الدعامتان المدببتان الأخريان قد أعيد بناؤهما على نفس الطراز في أيام الانتداب الفرنسي للبنان، بعدما انهارت بسبب العاصفة البحرية عام 1936.
عند دخولك من البوابة الكبيرة ستدرك مدى ضخامة أسوار هذه القلعة والدقة في تصميمها حتى أصبحت قادرة على الصمود بوجه الغزاة. بالاضافة الى الزخارف والنقوش عند مدخلها التي تعكس طرازها الفني. تتألف القلعة من برجين دفاعيين، البرج الأول يقع إلى الشمال الشرقي من القلعة ويقابل مدخلها الرئيسي. وهو مستطيل الشكل، ولقد بنيت جدرانه من حجارة ضخمة، ولا تزال أطراف الأعمدة الغرانيتية واضحة على واجهته الخارجية حتى الآن. بني فوق هذا البرج مسجد صغير في العهد العثماني عام 1840 بعد أن تعرّضت القلعة للقصف من قبل البحرية البريطانية. يتميز هذا المسجد بتصميمه، فهو مستطيل الشكل وتعلوه قبة. والبرج الثاني يقع عند الجهة الجنوبية الغربية، وهو في شكله الحالي بني على مرحلتين. وهذا ما يؤكده النص المنقوش على لوحة رخامية وضعت فوق نافذة البرج. فالجزء السفلي من البرج بني في العهد الصليبي من حجارة صغيرة منقولة من الأبنبة القديمة التي هُدمت في المدينة، بينما الجزء العلوي منه فيعود الى الفترة المملوكية. وما يميز بناء البرج، هو شكله نصف الأسطواني الذي يتخلله عدد من النوافذ الصغيرة ومرامي السهام التي كانت تستخدم للمراقبة والدفاع. يفصل بين أبراج القلعة بهو كبير مفتوح على البحر، لا تزال بقايا أحجار القلعة المهدّمة منتشرة في أرجائه، أبرزها بقايا كنيستها القديمة التي كانت موجودة في القسم الشمالي الشرقي منها. اليوم تعدّ قلعة صيدا شاهداً بارزاً على الأحداث التاريخية التي عرفتها مدينة صيدا خلال تاريخها الوسيط، وما شهدته من حروب وصراعات مدمّرة. ولقد قام الأمير فخر الدين لاحقاً خلال فترة إعمار المدينة، بترميم قلعتها لتبدو على شكلها الحالي. وهي اليوم من المواقع الأثرية الجنوبية الجديرة بالزيارة لما تشكَله من رمز تاريخي لمدينة صيدا العريقة.